أكدت نتائج أبحاث أميركية ـ فرنسية مشتركة أجريت مؤخرا على مادة سيانوفايرين Cyanovirin-N، المستمدة من طحلب سيانوبكتيريا، فاعليتها الشديدة في قتل خلايا الفيروس المسبب «لالتهاب الكبد الوبائي سي» ومنعه من غزو خلايا أخرى جديدة في الكبد. وفى بحثين نشرا بمجلة الكيمياء الإحيائية (Journal of Biological chemistry) في عددي شهري تموز وأيلول، أوضح الدكتور فرانسوا هيل رئيس الفريق البحثي أن استخدام مادة سيانوفايرين وهي المادة الأساسية الفعالة في طحلب سيانوبكتيريا يؤدي إلى منع دخول الفيروس إلى خلايا الكبد وإحداث المرض ومضاعفاته، وذلك باتحادها مع مادة الجليكان البروتينية المغلفة للفيروس. ويؤدي ذلك إلى نزع الحماية عن الفيروس وتدميره وإفقاده القدرة على مهاجمة أي خلايا كبدية جديدة في ظل استمرار تعاطي المريض لمادة سيانوفايرين. وتتقاطع هاتان الدراستان مع نتائج دراسة قام بها فريق من الأطباء المصريين بكلية طب قصر العيني توصلوا من خلالها إلى نتائج مماثلة عقب الانتهاء من المرحلة الثالثة لتجربة التأثير العلاجي لهذه المادة. وكانت الدراسة المصرية محور اهتمام ونقاشات في أوساط الأطباء والمرضى في مصر وبعض الدول العربية خلال الأشهر الماضية.
وأكد الباحثون الأميركيون والفرنسيون أن التفاعل الكيماوي لمادة «سيانوفيرين إن» وقدرتها الفائقة على تدمير الغلاف الجليكوبروتينى للفيروس ليسا الآلية الوحيدة لعمل هذه المادة، ولكنها تلعب دورا مهما في تدمير المستقبلات الخاصة بنظام اختراق الفيروس للخلايا الكبدية وإبادة الخلايا الوسيطة المسماة «سي دي 81» التي تم اكتشافها مؤخرا والتي تلعب دورا خطيرا في تمكين الفيروس من اختراق الخلايا الكبدية. وبذلك أكد الفريقان العلميان الفرنسي والأميركي أن مادة سيانوفيرين هي المادة الفعالة الأساسية في طحلب سيانوبكتيريا وأنها الطريق الأمثل لعلاج الفيروس الكبدي «سي» ومنع تفاقم حالة التليف الالتهابى المزمن، وبالتالي تجنب مضاعفاته الخطيرة، بمنع الفيروس من اختراق خلايا الكبد ومهاجمتها والاستنساخ داخلها.
بلبلة بين مرضى الكبد في مصر
وكانت الصحف والمجلات في مصر قد شهدت سجالا علميا بين الأطباء بصورة وصلت إلى حد الاتهامات حول جدوى هذا العلاج الجديد الذي اكتشفه الدكتور جمال شوقي عبد الناصر أستاذ الجهاز الهضمي والكبد بطب قصر العيني ونجل شقيق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر منذ أكثر من خمسة عشر عاما. وأدت حالة الجدال المحتدم إلى انقسام بين الفريق المؤيد للعلاج الحالي بالإنترفيرون الممتد المفعول مع دواء ريبافارين من ناحية، ومكتشفي العلاج الجديد من ناحية أخرى، الذين لجأوا لنشر أسماء بعض المرضى الذين شفوا بعد تجربة العلاج الجديد عليهم، ما أدى إلى حدوث حالة من البلبلة والتساؤلات لدى الجمهور والمرضى الباحثين عن قشة النجاة.
وأوضح الدكتور أحمد أبو مدين أستاذ الجهاز الهضمي والكبد بطب قصر العيني والمشرف على التجارب الإكلينيكية للدواء، «أن سرطان الكبد هو أكثر أنواع السرطان انتشارا الآن في مصر بسبب تحالف البلهارسيا مع فيروسي الكبد «بي» و«سي». ومن المعروف أن سرطان البروستات كان الأكثر انتشارا منذ 40 عاما مضت، إلا أن العقود الثلاثة الماضية شهدت تحولا جذريا في نسب الإصابة «بالفيروس سي» بسبب الحقن المتكرر لعدد كبير من المرضى بحقنة واحدة وعدم اتباع الحلاقين لتعليمات السلامة الواجبة، وهي حالة كانت سائدة في ظل غياب الوعي الصحي بطرق العدوى والإصابة بفيروسات الكبد وسبل الوقاية منها.
لذلك يكثف الباحثون جهودهم في مصر نحو مكافحة البلهارسيا وفيروسات الكبد.
استكمال التجارب لتسجيل الدواء
نجح الدكتور جمال شوقي عبد الناصر في اكتشاف الدواء الجديد المحضر من إحدى فصائل البكتيريا تسمى سيانوبكتيريا وتم استخراجها وتحضيرها بصورة نقية من حقول الأرز بالتربة المصرية. وبتجربة الدواء المتمثل في مادة سيانوفايرين المستمدة من البكتيريا على عدد محدود من المرضى، حقق نسبة شفاء كبيرة مقارنة بالعلاجات الأخرى. لكن، نظرا لقلة أعداد المرضى الذين تم تجربة الدواء عليهم، لم يكن ممكنا تسجيله بوزارة الصحة، حيث تتطلب المرحلة الرابعة والأخيرة من الأبحاث في مصر تجربة العقار في عدد من المراكز الطبية وعلى أعداد كبيرة من المرضى تحت إشراف أساتذة متخصصين. وهو ما دفع الفريق البحثي، كما يقول الدكتور أبو مدين، «إلى مد أيديهم إلى الزملاء من أساتذة الجهاز الهضمي والكبد طالبين مشاركتهم في التجارب الإكلينيكية من أجل إكمال الملفات التي تطلبها وزارة الصحة المصرية لهذا الدواء المصري الجديد الرخيص الثمن وإخراجه إلى النور ليكون متاحا أمام ملايين المرضى».
وأوضح أبو مدين «أن فصائل مماثلة من نفس نوعية هذا الدواء تستخدم الآن بالولايات المتحدة كمكمل غذائي باسم «الغذاء السوبر» ولا يعترض أحد على استخدامه، ولكن تسجيله كدواء بوزارة الصحة يتطلب استكمال أبحاثه على أعداد كبيرة من المرضى».
ويقول الدكتور يوسف جرس يني أستاذ ميكروبيولوجيا النبات بمحطة سخا للأبحاث الزراعية بمحافظة كفر الشيخ، إن اهتمامه بهذه المادة بدأ عندما كان يشارك في مؤتمر علمي بالمجر عن ساينوبكتيريا في العام ,1992 وعلم مصادفة عن استخداماتها وفوائدها العلاجية العديدة التي لم يكن العلماء يعرفون أي تفاصيل عنها في ذلك الوقت. لذلك فكر بعد عودته من المؤتمر بالاتصال بالدكتور جمال شوقي عبد الناصر لمناقشته في هذا الأمر، ومنذ ذلك الحين بدآ أبحاثهما المشتركة على الطحلب، وتم الاتفاق على ضرورة عزل بعض السلالات من البيئة المصرية. ويضيف الدكتور يني أنه تمكن من انتقاء 75 سلالة من ساينوبكتيريا من حقول الأرز بالأراضي المصرية، ثم سافر إلى الولايات المتحدة لإجراء الدراسات والأبحاث اللازمة عليها من حيث مدى سميتها وأمانها على المريض لاختيار الأنسب منها للإكثار، وبعدها إلى ألمانيا لتصنيع جهاز من ابتكاره لإنتاج وإكثار الطحلب المختار، وتحضيره في صورة محلول لاستخدامه كعلاج للفيروسات في حيوانات التجارب حيث حقق الدواء نتائج ممتازة. ولاستكمال الأبحاث بالطرق العلمية في المرحلة الثانية، حمل نتائج المرحلة الأولى للدكتورة مها الديميلاوى أستاذة وعميدة معهد بحوث الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بمدينة مبارك للأبحاث العلمية. وقامت الدكتورة الديميلاوى بإجراء سلسلة من التجارب على خلايا كبد بشرية وضعت في ظروف مماثلة لظروف الجسم البشرى تماما في ما يعرف علميا باسم «خط الخلايا». وأكدت نتائج التجارب الفاعلية الكبيرة للدواء ـ الذي يعطى في شكل محلول بجرعتين يوميا ـ في قتل الفيروس واختفائه من الخلايا.
عندئذ فكر الفريق البحثي في الدخول في تجارب المرحلة الثالثة بإجراء التجارب الإكلينيكية على بعض المتطوعين من المصابين بفيروس الالتهاب الكبدي سي تحت إشراف الدكتور أحمد عبد اللطيف أبو مدين. وأكدت التجارب الإكلينيكية الأولية فاعلية الدواء في قتل الفيروس سي وعدم ارتداده للمريض بعد عام من العلاج. لذلك يحاول الفريق البحثي الدخول في المرحلة الرابعة والأخيرة من الأبحاث بإجراء تجارب موسعة على أعداد كبيرة من المرضى تحت إشراف نخبة من الأطباء المتخصصين في عدد من المراكز الطبية المعترف بها بكليات الطب. وقد أبدى عدد كبير من الأطباء استعداده للمشاركة في هذه المرحلة المهمة التي يصبح من الممكن بعدها التقدم لوزارة الصحة لتسجيل الدواء المصري الجديد الرخيص الثمن لإجازته والتصريح باستخدامه ليكون متاحا أمام كافة المرضى لا سيما أن كلفته لا تتعدى 60 جنيها مصريا (حوالى عشرة دولارات) في مقابل 450 جنيها (حوالى 78 دولارا) للعلاج المعتمد حاليا.